في البداية، أود أن أهنئ قرائي الأعزاء بحلول 2013، وأتمنى لكم عاماً جديداً مليئاً بالنجاحات واللحظات السعيدة. أرجو أن تكون مقالاتي في العام المنقضي قد حازت على إعجابكم، وأُشدد على ترحيبي بالنقد البناء والموضوعي، الذي لا يُفسد للود بيننا قضية.
أستهل مقالاتي هذا العام بالحديث حول دافيد فيا مهاجم برشلونة، هناك الكثير من الأسئلة المطروحة: هل سيبقى في صفوف الفريق الكتلاني، هل سيرحل؟ هل سينتقل إلى ليفربول على سبيل الإعارة حتى نهاية الموسم أم سيلتحق بالنينو فيرناندو توريس "بطل مقالي الأخير في 2012" ليكونا ثنائياً هجومياً إسبانياً خالصاً في تشكيلة الفني الإسباني رافاييل بينيتيز؟ ..
لماذا لا يلعب دافيد فيا بشكل مستمر؟ لماذا يُصر تيتو فيلانوفا مدرب برشلونة على الدفع بالثنائي بيدرو وأليكسيس على حساب إل جواخي ضمن التشكيلة الأساسية وهما لا يُسجلان؟َ! هل هما أفضل من فيا بالفعل؟ هل تيتو غير مقتنع بفيا؟ ..
أسئلة كثيرة تدور دائماً في أذهان القراء، أود باستمرار الرد عليها، وتوضيح بعض الأمور التي تبدو مُبهَمة بالنسبة لعشاق كرة القدم. في الواقع، من حق دافيد فيا أن يغضب، وأن يُطالب بمكانة أساسية في تشكيلة فيلانوفا، شأنه شأن أي لاعب يريد أن يلعب لأكبر عدد من الدقائق.
ومن حق جمهور برشلونة كذلك أن يُطالب بتواجد فيا منذ البداية على حساب الثنائي بيدرو وأليكسيس، فالكناري في 16 مباراة للا ليجا الموسم الجاري، لم يسجل سوى هدف يتيم كان أمام ريال سوسييداد في الجولة الافتتاحية في انتصار 5-1 لفائدة البلاوجرانا، أما التشيلياني، ففي خلال 11 مقابلة، لم يهز شباك المنافسين في أي مناسبة، مقابل خمسة أهداف حملت توقيع دافيد فيا في 12 لقاء، كان بديلاً في نصف هذا العدد بالضبط أي في 6 لقاءات، وكان يدخل صاحب الـ 31 عاماً إلى أرض الملعب في أوقات متأخرة دائماً، بالتحديد ما بين الدقيقتين 74 و79.
من خلال الأرقام السابقة، يتبين أن فيا وجمهور برشلونة بالفعل على حق بأن فيا يستحق أن يكون ضمن التشكيلة الرئيسية للبرسا، ولكن في الحقيقة، تختلف رؤية اللاعب والجمهور عن رؤية المدرب.
كما قال جوزيه مورينيو المدير الفني لريال مدريد: الحقيقة الواحدة في كرة القدم هي أن الفريق هو المدرب، وبالفعل المدير الفني هو المسؤول الأول والأخير عن نتائج فريقه، وهذا ما يجعله يفكر بطريقة تختلف عن تلك التي يفكر بها اللاعبون والجماهير، لأنه من في مقعد المسئولية وأول من ستطوله أسهم النقد.
طريقة تعامل فيلانوفا مع فيا هي شبيهة كثيراً بما حدث بين السير أليكس فيرجيسون وكارلوس تيفيز، حيث غضب المهاجم الأرجنتيني بشدة نتيجة لجلوسه بشكل مستمر على مقاعد البدلاء لحساب ديميتار بيرباتوف الذي كان يشارك دائماً منذ البداية، وغضب كذلك الجمهور ورأى أن السير كان يظلم تيفيز، ولكن في الحقيقة ما فعله السير كان الصواب بعينه .. كيف ذلك؟ ..
الورقة الرابحة بالنسبة لأي مدرب شئ مهم جداً، يتمنى أي مدير فني أن يمتلك لاعباً قادراً على قلب الأوضاع في الشوط الثاني، شوط المدربين، الشوط الأهم حيث تُحسم النتيجة النهائية بفوز هذا الفريق أو ذاك.
تيفيز "المُستَفَز" كان الورقة الرابحة بأتم معنى الكلمة بالنسبة للسير أليكس فيرجيسون في هذا الوقت، حيث كان دخوله في الفترة الثانية إيجابياً دائماً بالنسبة للمان يونايتد، فهو كان يدفع بأفضل"نسخة" لتيفيز، الذي كان يدخل إلى أرض الملعب بدافع إثبات الذات وأنه الأحق بمكانة أساسية في التشكيلة، وما هو ما كان ينتج عنه أن تيفيز كان يُخرج كل ما في جعبته ويبذل قصارى جهده ليُفيد فريقه، وبالتالي فإن الرابح الأكبر كان هو مانشستر يونايتد، وهذا ما يجب على المدرب فعله، أن يكون شغله الشاغل كيف يكون الفريق هو الرابح الأكبر، فهو ليس مُطالباً بإرضاء الجماهير واللاعبين، ولكن يتعين عليه أن يفعل ما في مصلحة فريقه.
هذا هو الحال تقريباً بالنسبة لدافيد فيا، الورقة الرابحة بالنسبة لتيتو فيلانوفا في الوقت الحالي، وهو السلاح الذي لم يكن برشلونة يمتلكه في الموسم الماضي، فلم تكن دكة بدلائه تحتوي على البديل الكفء، القادر بالفعل على منح الإضافة حال دخوله في الشوط الثاني.
أعتقد جازماً أن تيتو فيلانوفا ليس على خلاف أبداً بأن دافيد فيا أفضل من بيدرو وأليكسيس، ولكن أفضل في أي شئ بالتحديد؟ .. على المستوى التهديفي، أليس كذلك؟ .. حسناً، ولكن من ترونه أفضل على المستوى البدني، لاعب يبلغ من العمر 31 عاماً، أم لاعبان، أحدهما يملك من العمر 24 عاماً (أليكسيس)، والأخر في سن الــ 25 عاماً (بيدرو)؟.
إذا كان "نظرياً" يبنغي أن يدخل الفريق بأفضل تشكيلة لديه منذ البداية، فإنه "واقعياً"، من الضروري أن يُنهي الفريق اللقاء بأكبر مجموعة من اللاعبين الناجعة على المرمى، التي تمتلك حساً تهديفياً عالياً، فأمور مثل: الدفاع المنظم أو الاحتفاظ بالكرة أو صناعة اللعب أو غيرها قد تكون الأهم في الشوط الأول، لأن النتيجة ما بين الشوطين تكون نتيجة آنية، وقتية، أما في الشوط الثاني، فلا صوت يعلو فوق صوت الأهداف، لأنه مع صافرة الحكم الأخيرة في الشوط الثاني، تتحول النتيجة من وقتية إلى نهائية وتكون النقاط قد حُسمت لمصلحة أحد المتنافسين.
فيلانوفا، المدرب بلغة كرة القدم، المُخرج بلغة السينما، استهدف منح كل لاعب "الدور" الذي يُجيد تقديمه، ولا يُجيد غيره تقديمه بشكل أفضل منه، بما يحقق في النهاية الاستفادة القصوى بالنسبة لبرشلونة، فهو يمنح دور "البطل"، الذي يشارك في أكبر عدد من "الدقائق"، لبيدرو وأليكسيس ليُخرج منهما أفضل ما لدى كلٍ منهما وهو المجهود البدني، وهو يهدف من ذلك شيئين: الأول هو منحهما دوراً دفاعياً لتعويض حقيقة أن تشافي وإنييستا وحتى في وجود سيسك، لا يمتلك هذا الثلاثي القدرات الدفاعية الكبيرة لمعاونة سيرجيو بوسكتس لاعب الارتكاز الدفاعي الوحيد في وسط ملعب برشلونة، وبالفعل كلا اللاعبيْن يقوم بهذا الدور بشكل جيد للغاية، أما الشئ الثاني فهو استغلال تلك القدرات البدنية في إنهاك وإرهاق دفاعات الخصم، وهو ما من شأنه تسهيل مأمورية دافيد فيا عندما يدخل بديلاً في الشوط الثاني ليلعب دوراً رئيسياً في الـ "master scene" أو الأوقات الصعبة، عندما تتأزم الأمور على ميسي ورفاقه.
"المُنقِذ" هو الدور الذي يؤديه دافيد فيا في برشلونة، وهو دور في غاية الأهمية، يقوم به إل جواخي على أكمل وجه، ولا يمكن لأي لاعب آخر في تشكيلة البرسا أن يؤديه بنفس الكفاءة، فكثيرون قادرون على لعب دور "البطل" في كرة القدم، أما "المنقذ"، فهو دور لا يتقنه سوى القليلون، أمثال دافيد فيا، اللاعب ذو الأهمية المضاعفة في برشلونة، لافتقاره لرأس الحربة الصريح أو مهاجم الـ 9.
المهاجم الدولي الإسباني يقوم بدور مهم جداً في "إنجاح العمل الجماعي"، أي ترجمة عمل الفريق إلى أهداف، ليس شرطاً أن تحمل توقيع إل جواخي، كقيمة تهديفية كبيرة في صفوف البرسا، ولكنه كلاعب مباشر على المرمى، يكون برشلونة في أمسّ الحاجة إليه ضد الفرق الدفاعية، لخلخلة الدفاعات المتكتلة، وصناعة الفرص المحققة على المرمى إن لم يستطع التسجيل.
بعد قراءة ما سبق .. هل ما زال البعض على قناعة بأن برشلونة ليس في حاجة إلى مدرب، وأن أي شخص قادر على قيادة البرسا لتحقيق النجاحات؟ .. في الحقيقة يا سادة، أختلف مع الكثيرين ممن يتبنون وجهة النظر التي تقول أن المدرب في برشلونة ليس له دور وأن اللاعبين هم من يقومون بكل شئ. صحيح أن برشلونة يضم مجموعة من أفضل اللاعبين على الإطلاق على مستوى العالم، ولكن تيتو فيلانوفا له أيضاً دور هام في نجاحات برشلونة هذا الموسم.
صحيح أن فيلانوفا لم يكن له دور في بعض المباريات، ولكنه ليس مطلوباً من المدرب أن يُثبت حضوره في كل مباراة من خلال تغيير على مستوى الخطة أو الاستراتيجية أو تبديل على مستوى الأفراد، ولكن المدرب القدير هو من يضع "اللمسة المناسبة" في "التوقيت المناسب"، وهو ما ينطبق على فيلانوفا هذا الموسم. الفني الإسباني الشاب تدخل في الأوقات التي احتاج فيها الفريق لتدخل المدرب من خارج الخطوط، وهو ما نتج عنه عودات كثيرة للبرسا في شوط المدربين.
هل تتذكرون معلومة جول يوم 25 أكتوبر الماضي التي سردتها بنفسي، والتي كانت تقول -في هذا الوقت- أن برشلونة كان قد سجل ثُلث مجموع أهدافه تقريباً، وبالتحديد 12 هدفاً من أصل 35 هدفاً في آخر 15 دقيقة، وهي الفترة التي عادةً ما يدفع خلالها تيتو فيلانوفا بورقة دافيد فيا، وفي كثير من المرات، كان يخدم فيلانوفا فريقه بتبديل على مستوى الأفراد بالدفع بالورقة الرابحة "فيا"، وتغيير في الوقت ذاته على مستوى طريقة اللعب باعتماد 3-4-3 من أجل تواجد أكثر في مناطق الخصم وشن أكبر عدد من المحاولات على المرمى من أجل هز الشباك.
ولمزيد من التوضيح لأهمية "توقيت" اللمسة الفنية المناسبة من قبل المدرب، أدعوكم لعقد مقارنة بين جوارديولا وفيلانوفا على مستوى توقيت اعتماد كلٍ منهما لطريقة 3-4-3. الأول كان يعتمد تلك الطريقة في بعض المباريات منذ البداية، وكان ينتج عن ذلك أن يتضرر الدفاع، لأن الفرق المنافسة لا تكون بذلك التحفظ في الشوط الأول مقارنة بالشوط الثاني، فهي تسعى في الفترة الأولى لتسجيل أهداف، من أجل الدفاع عنها في الشوط الثاني، وكذلك يتضرر الهجوم، لأن 3-4-3 خلقت برشلونة مهووساً بالاستحواذ وغير إيجابي بالشكل المطلوب على مرمى الخصم، لذا، فشل البرسا في النهاية في الحفاظ على لقبي لا ليجا ودوري الأبطال، أما فيلانوفا فـ "استثمر"، بكل ما للكلمة من معنى، طريقة 3-4-3، فاعتمدها في أوقات مناسبة تماماً أثناء سير المباراة، وفي إطار سعي الفريق نحو التعديل أو تحقيق الانتصار أو التعديل ثم تحقيق الانتصار، فخدمت الفريق بالفعل هجومياً وتمكن من إحراز العديد من الأهداف في الدقائق الأخيرة، ولم نشعر في الوقت نفسه، وفي أي مناسبة باختلال دفاع البرسا نتيجة اعتماد تلك الطريقة، فكانت النتيجة المنطقية للعمل السليم من قبل المدرب، هي برشلونة بطل المجموعة السابعة في التشامبيونزليج، ومتصدر جدول الترتيب العام في الدوري الإسباني بفارق تسع نقاط عن أقرب ملاحقيه أتلتيكو مدريد، والبعيد عن غريمه التقليدي ريال مدريد بمسافة 16 نقطة بالتمام والكمال.
وكما نُحمّل جوزيه مورينيو مسئولية الانقسام داخل غرفة خلع الملابس في ريال مدريد، والتي نتجت عنها حالة من عدم التركيز في صفوف اللوس بلانكوس، فإن الفضل كل الفضل في حالة الاستقرار داخل غرفة خلع ملابس برشلونة، والتي نتج عنها حالة من التركيز، ولّدت "عدوى الإجادة" في صفوف البلاوجرانا يعود للمدرب تيتو فيلانوفا، الذي نجح مع برشلونة نفسياً قبل أن ينجح فنياً.
موضوع: بيتُ القصيد | دافيد فيا .. والسير فيلانوفا ! 
الإثنين يناير 07, 2013 5:52 pm
حيث
