.......
نكمل اليوم موضوعنا حول
الحجارة وأسمائها في تراثنا الشعبي، ونلقي الضوء على ما
تبقّى منها، ونتعرّف على مدلولاتها ومعانيها، وكيفية
التلفّظ بها، وعلى استعمالاتها المختلفة كما وردت في
تراثنا وعلى ألسنة أهلنا في ربوع النقب.
الرِّجْم:
جمعه رجُوم، وهو الكومة
الكبيرة من الحجارة، يجمعها الفلاح أو صاحب الأرض من أرضه
حتى يستغلّ الأرض ويفلحها، وكلّ كومة كبيرة من الحجارة
تسمى رجماً، وفي منطقتنا مكان يسمى "رْجِيم الذيب"، يقع
شرقي رهط بقليل، ويمكن رؤية ما تبقى من الرجوم والحجارة
التي عليه.
النَّجَمَة:
جمعها نَجَم، وهي المرتفع
من الأرض الذي تغلب على أرضه الحجارة، والذي تصعب فلاحته
بسبب كثرة حجارته وقلة تربته، والتي تجرفها السيول عند
سقوط الأمطار فتبرز الحجارة أكثر وأكثر. وتنبت أنواع
مختلفة من النباتات في هذه المرتفعات أو النَّجَم، ومنها:
الجعدة، والبلاّن، والزقّوح، والمتنان وغيرها، وتكون بذلك
مرعى جيداً للمواشي نظراً لعدم استطاعة الفلاح من
استغلالها أو زراعتها كما ذكرنا.
الرُّسُوم:
واحدها رَسْم، ولكن الناس
يستعملونها هنا بصيغة الجمع، فيقولون رْسُوم، وهي بقايا
البيوت القديمة المهدمة، وبقية أساساتها التي هُدمت مع
الزمن ولا يُعرف أهلها، ولم يظلّ منها إلا أكوام الحجارة
وبقية الأساسات. وقد وردت كلمة الرسوم كثيراً في الشعر
العربي، فنجدها في القديم والحديث منه، وها هي في شعر امرئ
القيس:
وَإِنَّ
شِفائي عَبْرَةٌ مَهراقَـةٌ فَهَل عِندَ رَسْمٍ
دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ
وكذلك في شعر علي محمود
طه:
يا رُبَّ
رَسْمٍ من ربوعِك دارسٍ قَصُرَ الثواءُ به وطالَ
وقوفي
الدَّبْش:
واحدتها دَبْشة، وهي الحجر
المفلطح الذي يملأ قبضة اليد أو يزيد قليلاً ويستعمل في
بناء "السلاسل" في الجبال، وكذلك يستعمله القرويون من سكان
الجبال في المشاجرات، حتى أن بعض القرويين كان يضع كومة من
الدَّبْش فوق سطح بيته ليستعملها عند الحاجة.
وكلمة دَبْش تستعمل عند
القيسية من أهل جبل الخليل، ورغم أن الناس يعرفونها هنا،
إلا أنهم لا يستعملون تلك اللفظة بل يستعملون كلمة دِمْس
أو دْمُوس لتؤدي نفس المعنى.
السلاسل:
واحدتها سلسلة، وهي حاجز
من الحجارة يقيمه الفلاح ليحفظ به تربة أرضه حتى لا تجرفها
السيول، وخاصة في الأرض المائلة والمنحدرات الجبلية
والسفوح التي تتعرض تربتها للجرف أكثر من غيرها. ويُسميها
أهل القرى "سناسل"، والواحدة منها "سِنْسلة"، وهي تكثر في
القرى وفي المناطق الجبلية المائلة أكثر مما هي عليه في
بلادنا السهلية.
العْرَاق:
تعني عِرْق الصخر، أو
الطبقة الصخرية منه التي تكون تحت الأرض، وهذه الكلمة
تستعمل في القرى، حيث يحفرون الأرض حتى يصلوا الطبقة
الصخرية منها، ثم يصبون أساسات بيوتهم.
وهناك حجارة أخرى كحجر
الرحى الخشن، ورواسي البير التي تصنع من الحجر الجيري
الأبيض، وبعض الحصى الصغير الملون الذي تلتقطه النساء
وتجعل منه قلائد مختلفة، وغيرها من الحجارة الكثيرة والتي
استطعنا أن نجمع منها هذا الكم من الأسماء والكنى
واستعمالاتها المختلفة.
وهناك قوالب وكُتَل صلبة
من التراب يمكن أن ندرج بعضها ضمن هذا الباب، ونذكر منها:
التكَرَة:
جمعها تكَرّ، هي كتلة من
التراب الصلب بحجم قبضة اليد أو أكبر بقليل، ويستعملها
الرعاة فيقذفون بها على الماشية إذا ما انحرف بعضها نحو
زرعٍ أو غيره، وكذلك تستعمل لطرد الدجاج والطيور وإبعادها
عن ساحة البيت حتى لا تملأها بالأوساخ ، والتكرة لو أصابت
فلا تؤذي كما يؤذي الحجر لأنها أقل صلابة، وغالباً ما
تتفتت عند وقوعها وتتحول إلى قطع صغيرة من التراب. والتكرة
تُسمّى عند بعض العائلات كترة، وربما كان ذلك نتيجة لقلب
بعض الأحرف عند التلفّظ بها، كما يقولون يقبى بدل يبقى،
وهناك كلمات أخرى كثيرة يقلبونها بنفس الطريقة.
الطُوبَة:
جمعها طُوب، وهي اسم يُطلق
على الكتلة الصلبة من التراب، بل هي التكرة نفسها التي
ذكرناها، ولكن بعض العائلات تستعمل كلمة طوبة بدل تكرة
والبعض الآخر يقول كترة وهكذا.ا
وتطلق اليوم كلمة طوبة على
قوالب البناء المصنوعة من الحصى والرمل والاسمنت والتي
تُبنى منها جدران المنازل والبيوت المختلفة.
الفاشور:
واحدته فاشورة، وهي الكتل
الكبيرة الصلبة من التراب التي تظهر عند حراثة الأرض
بالسكة الكبيرة، والتي
تتغلغل في التربة بعمق نصف متر وأكثر وتقلب أسفلها أعلاها،
فتتعرّض التربة لحرارة الشمس التي تقتل جراثيمها، وتمتص
كمية أكبر من مياه الأمطار عند هطولها، ثم تُسَوّى الأرض
بعد ذلك وتحرث وتزرع فيكون زرعها أكثر اخضراراً وخصوبة،
ويرى المزارع أن الأرض يجب أن تُقلب مرةً كل أربع سنوات
على أقل تقدير.
تصغير بعض أسماء
الحجارة:
وتجدر الإشارة هنا إلى أن
الناس يُصغّرون بعض هذه الكلمات للدلالة على ضآلتها وصغر
حجمها، أو عدم ضررها فيما لو أصابت أحداً منهم بسبب خطأ أو
غيره، فنراهم يقولون: "حصيوة صغيرة"، وضربه بحصيوة صغيرة؛
أي رماه بحصاة صغيرة لا تؤذي حتى لو أصابت، وهذا للتقليل
من شأن تلك الضربة منعاً لوقوع الشرّ أو غيره.
وكذلك الحال بالنسبة لكلمة
"دِمْس" فهم يُصغرونها بقولهم "دميسة" للتقليل من شأنها
كما ذكرنا.
أما التكرة فيصغرونها
بقولهم "تكيرة"، وكل ذلك من أجل التقليل من شأن إصابتها
ترضية للطرف الآخر ومنعاً للخصام أو وقوع الشر بينهم.
وبهذا نكون قد جمعنا في
هذا البحث المتواضع ما استطعنا جمعه من أسماءٍ للحجارة
والكتل الصلبة من التراب، وشرحنا معانيها بشكلٍ يجعلها
مفهومة وقريبة للذهن، وكذلك نكون قد طرقنا باباً آخر من
أبواب تراثنا الجمة، والتي ندأب على جمعها وتوثيقها ما
استطعنا إلى ذلك سبيلاً، سائلين المولى سبحانه أن يسدّد
خطانا ويلهمنا رشدنا ويهدينا لما يحبه ويرضاه إنه على كل
شيء قدير.
..