.
عن أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (ثَلاثٌ
مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ
وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا
يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَما
يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ). متفق عليه.
الشرح:
فيه
أن الإيمان له حلاوة يجدها المؤمن في قلبه لذة ونورا وبشاشة للإيمان كما
يجد حلاوة للعسل في فمه فالمؤمن كامل الإيمان في روحانية ونعيم وأنس بالله
لا يمكن وصفه ولا يقدر قدره إلا من فتح الله عليه. و لا يحصل ذلك للعبد إلا
إذا تحلى بهذه الخصال الثلاث وكان حريصا على الطاعة. وإنما يجد القلب
حلاوة الإيمان إذا كان سليما من الأهواء المضلة والشهوات المحرمة أما إذا
مرض لم يجد تلك الحلاوة كالبدن المريض لا يحس بحلاوة الطعام. وفيه أن تقديم
العبد لمحبة الله والرسول صلى الله عليه وسلم على سائر المحبوبات من
الخصال التي تكمل إيمان العبد. فينبغي على العبد أن يقدم رضا الله ورسوله
ومحبتهما على كل شيء من عرض الدنيا وملذاتها إذا حصل بينهما تعارض فيجعل
شرع الله وطاعته هو الغاية ويجعل ما سوى ذلك وسيلة لتحقيق الغاية فيترك ما
نهى الله عنه ويتقيد بما أذن الله فيه من مال وتجارة وشهوة. وفيه أن محبة
المسلم أخاه لأجل الله لا لأجل عرض من الدنيا أو القرابة من خصال الإيمان
العظيمة وقد ورد فضل عظيم للمحبة والمؤاخاة في الله وعاقبتها حسنة في
الدنيا والآخرة وهي عون على الدعوة والطاعة وللأسف صار كثير من الناس اليوم
يتآخون ويتواصلون لأجل الدنيا والله المستعان. فإذا أحب العبد إنسانا لا
لنسبه ولا لبلده ولا لماله وجاهه وإنما أحبه في الله لما اتصف به من
الإيمان والعمل الصالح كان ذلك دليلا على توقيره لله ومحبته له وذاق برد
اليقين والإطمئنان بقلبه. وقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أقواما
غرباء لا تربطهم بهم رابطة النسب أو البلد أو المال أحبوهم في الله ولله
وآثروهم على أنفسهم. وفيه أن من خصال الإيمان التي يتحقق بها إيمان العبد
وتتم موالاته لله ورسوله أن يكره الكفر ويخاف ويحذر من هذا الخطر العظيم
على دينه كما يكره ويخاف النار التي تحرق بدنه وماله لأن الكفر نار تحرق
الدين قال الله تعالى: ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ
وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ
وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) . وهذا يقتضي منه أن يتبرأ
من الكفار الذين جحدوا ربه وخالفوا رسوله صلى الله عليه وسلم ويفر بدينه من
كل ما يوجب فساد إيمانه ووقوعه في الكفر والعياذ بالله ويكون حريصا على
موته على الإسلام. فإن العبد إذا كره شيئا وخافه فر منه فسلم منه. وقد
تساهل بعض المسلمين اليوم في كراهية الكفر وأهله وصاروا يوالون الكفار
ويوادونهم ويحسنون الظن بهم ومن وقر الكفار الذين أذلهم الله فقد خفر ذمة
الله ورسوله.
.